وهبي يحذر من "تدمير السياسيين" بالوشايات ويتشبث بنزع أنياب جمعيات محاربة الفساد
حذر عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، من خطورة استخدام الوشايات الكاذبة كوسيلة لتدمير سمعة السياسيين والفاعلين في الشأن العام، مؤكداً أن هذا الأمر دفعه إلى التشدد في مشروع قانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق بقضية رفع الشكايات.
وقال وهبي إن هناك قضايا أثارت اهتمام الرأي العام مؤخراً، خاصة تلك المتعلقة بالفساد، مشيراً إلى أنه أمام السياسيين خياران، إما أن يكونوا منافقين ويرتفعون بخطاب حقوقي يختفون خلفه المصائب، أو أن يواجهوا الأمور بوضوح، لأنه “لا يمكن لأحد أن يكون ملاكاً، والملائكة في السماء وليسوا في الأرض”.
كما قدم وزير العدل معطيات حول الشكايات المقدمة ضد مدبري الشأن العام من طرف بعض الجمعيات في قضايا الاختلاس وتبديد الأموال العامة، حيث أشار إلى وجود 259 وشاية، منها 132 قيد البحث، و5 قيد المحاكمة، و8 قيد التحقيق، بينما صدر القرار النهائي في قضيتين وتم حفظ 112 قضية.
وأشار المسؤول الحكومي إلى أن هذه الوشايات تستغرق وقتاً طويلاً في معالجة قضاياها، حيث تحتاج إلى 4 سنوات لدى الأمن وعامين في التحقيق، وقد يصل الأمر إلى 8 أو 9 سنوات من الإجراءات، وهي مدة “تحرق فيها صورة السياسي”، فيترك تدبير الشأن العام، ويقضي وقتا طويلا في المحاكم والتحقيقات بينما يتحدث عنه الرأي العام، وفي النهاية يصدر حكم ببراءته، فحينها يقول له الجميع “سمح لينا”.
وحذر وهبي من “خنق” السياسيين ومدبري الشأن العام من خلال الوشايات الكاذبة التي يقدمها أشخاص لم يذكروا أسمائهم أو يضعوا توقيعهم، ما يتسبب في تدمير تجربة سياسية استمرت 30 سنة. وأضاف أن بعض الأحيان، يختلف منتخبان في التصويت بالمجلس البلدي، فيقدم أحدهما وشاية ضد الآخر، فيقضيان سنوات في “سير وجي” لدى الأمن.
وأكد وزير العدل ضرورة وقف مثل هذه السلوكيات، مشيرا إلى أن المغرب يمتلك مؤسسات وإمكانيات للعمل بشكل سليم. وحذر من منح الجمعيات القدرة على القيام بما تقوم به مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أن تأخر المساطر القضائية يعود إلى أن الأشخاص الذين يقدمون الوشايات أو الشكايات لا يقدمون معها وسائل إثبات، بل مجرد أوراق تحتوي على اتهامات دون أدلة، وينتظرون من النيابة العامة أن تبحث لهم عن الجرائم.
وتابع وزير العدل قائلا: “نقدم شخصا يمارس السياسة ويدير الشأن العام للنيابة العامة من أجل أن تبحث له عن جريمة، ونستغرق عشر سنوات في التحقيقات، وفي النهاية نخسره سياسياً ومهنياً، وفي الأخير نقول إن الأحزاب والبرلمان وحتى الوزراء ‘شفارة'”، مضيفا أن هذا هو المنطق الذي تشتغل به بعض الجمعيات التي تتخذ من الوشايات وسيلة لتدمير السياسيين.
وشدد وهبي على أن دوره هو حماية السياسي إلى أن يثبت العكس، مشيراً إلى أنه في الوقت الراهن لم يعد هناك من لديه القدرة والشجاعة على تسيير بلدية. وقال ساخراً: “حتى لو جئنا بملاك ليكون رئيساً للبلدية، فبعد شهر من العمل سيُزج به في السجن”.
ومضى مستطردا: “كل شيء موسخ وكلشي بغينا نديوه للحبس”، مشدداً على أن من لديه دليل ضد مسؤول ما فيجب أن يقدم هذا الدليل، وإذا لم يكن لديه دليل فيجب أن يتركه وشأنه، مضيفا: “إذا كنت تريد أن تكون مثله، فعليك دخول الانتخابات وتقاتل من أجل أن تأخذ مكانه، وليس باللجوء إلى الوشايات الكاذبة”.
ولفت المتحدث ذاته، إلى أن القضايا التي قدمها المجلس الأعلى للحسابات بلغت 53 قضية في خمس سنوات، متسائلاً: “هل كل هذه القضايا تساوي 5 آلاف مليار درهم كلفة الفساد التي يتحدث عنها البعض؟”، في إشارة لتصريحات رئيس هيئة النزاهة ومحاربة الرشوة.
وقال وهبي: “يجب أن نقرر ماذا نريد في هذه البلاد، هل نريد الديمقراطية؟ إذن يلزمنا قانون مضبوط للجماعات الترابية، ويحدد أدوار المنتخبين، ونحدد لهم ما سيقومون به”. لافتا إلى أن بعض رؤساء الجماعات يتصل بهم عامل الإقليم ويطلب منهم ميزانية لإصلاح طريق بسبب احتجاجات السكان، وبعدها يصبحون متابعين.
وأشار إلى حادثة كان فيها شخص متابعاً أمام غرفة الجنايات بسبب ميزانية الجرائد التي يدفع فيها 1000 درهم شهريا، حيث طلب المجلس الأعلى للحسابات منه تقديم هذه الجرائد، وأخبرهم بأنه يرمى بها في النفايات بعد قراءتها. ومع ذلك، شدد المجلس على ضرورة إحصائها وتسجيلها كجزء من العملية الرقابية، مما أدى في النهاية إلى إحالة الشخص على غرفة الجنايات ومتابعته قضائيا.
ويرى وزير العدل، أن “لا أحد أصبح لديه ضمانات لممارسة السياسة”، مضيفا: “المجلس الأعلى للحسابات يعكف على ضبط المعطيات والوثائق، لكن إذا كان هناك شخص أنشأ جمعية دون إجراء جمع عام، وفي الوقت نفسه يملك سيارة فاخرة، وشقة، ولا يعمل، فمن هو الفاسد؟ هل هو هذا الشخص أم السياسي؟”
وأكد ضرورة إصلاح هذا الوضع، قائلا: “إما أن تتوقف هذه السلوكيات، أو أن هذه الدولة التي تصرف 97 مليار درهم على المجلس الأعلى للحسابات و20 مليار درهم على المؤسسات مراقبة المالية والتفتيش يجب أن تحل هذه المؤسسات، وتعطي الجمعيات هذه الأموال لمحاربة الفاسدين”.