فتح ملكي مبين

 


فتحٌ مبين

دقائق معدودة بعد التصويت بالإجماع على قرار مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء المغربية، وجّه الملك محمد السادس خطاباً إلى الشعب المغربي، استهلّه جلالته بقوله تعالى “إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً”، في دلالة عميقة على فتح مبين بشأن نزاع مفتعل، كلّف المغرب والمغاربة نصف قرن من الإرهاق والمتاعب والعناء والصبر والتحمّل، دفاعاً عن وحدة الأرض وسلامة التراب.. فتح مبين قياساً لما تعرّض له المغرب طيلة خمسين سنة، من إجهاد مالي وعسكري ودبلوماسي، ومن حملات الابتزاز والاستفزاز والمؤامرات الوضيعة، التي طُبخت بوقاحة ومكيدة، من قبل الخصوم والأعداء الواضحين والمخفيين، يتقدّمهم نظام حاقد، سخّر كل مقدراته، للإبقاء على جدار الوهم والانفصال قائماً وممتداً، بالشكل الذي يخدم مشروعه العدائي للمغرب ووحدته الترابية؛


خطاب الملك يوم 31 أكتوبر 2025، تزامناً مع القرار التاريخي لمجلس الأمن الدولي، يعدّ ليس فقط منعطفاً بارزاً في مسار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ولا لأنّه حمَل للمغرب والمغاربة قاطبة، بشرى انتهاء أكذوبة الوهم والانفصال، بانتصار سيادة المغرب على صحرائه في إطار مخطط الحكم الذاتي، ولا حتى للقوة القانونية والسياسية للقرار الأممي المذكور، وما سيترتّب عنه من تحوّلات ومتغيّرات، ولكنّه علاوة على ذلك، شكّل خطاب أمل ومستقبل، وخطاب يدٍ مبسوطة لصانعي القرار بالجزائر، من أجل تجاوز الماضي، والإقرار بمعطيات الواقع وحقائق التاريخ والجغرافيا، والزخم الدولي المتزايد حول مغربية الصحراء، والنظر إلى مختلف الأسانيد التاريخية والقانونية الثابتة لسيادة المغرب على صحرائه، والقبول بطرح “لا غالب ولا مغلوب” في نزاع مفتعل ليس في مصلحة أحد، والتوجّه نحو المستقبل، بثقة وحسن نية، ومسؤولية والتزام، استحضاراً للمقوّمات والروابط التاريخية والجغرافية والحضارية والاقتصادية المشتركة، وقياساً للتحديات المطروحة على البلدين، في سياق جيوسياسي دولي وإقليمي موسوم بالقلق والتوتر وانعدام اليقين، والتي تفرض أكثر من أي وقت مضى، تعزيز آليات الوحدة والتعاون والسلام والعيش المشترك، بعيداً عن نعرات التآمر وأوهام الانفصال…


قرار مجلس الأمن الدولي غير المسبوق، بغض النظر عن حجيّته القانونية والسياسية، هو انتصار لعدالة القضية الوطنية الأولى، واعتراف بسيادة المغرب على أراضيه الجنوبية، ولحظة تتويج للمغرب والمغاربة كافة، بعد ماراثون دبلوماسي طويل وصعب وشاق، تحمّل فيه المغرب والمغاربة الكثير من الأعباء المادية والاقتصادية والنفسية والرمزية، وهو أيضاً نقطة نهاية، قد تُنهي نصف قرن من الإجهاد، وتضع حداً لمسلسل نزاع مفتعل، لم يحرّك الصحراء عن مغربها، ولا المغرب عن صحرائه، لكنّه بالمقابل، قتل التنمية، واغتال أحلام الشعوب المغاربية، وحرمها من حقها المشروع في فضاء مغاربي مبني على قيم الأخوّة والتضامن وحسن الجوار، والتعاون والسلام والعيش المشترك…


فتح مبين ونصر من الله.. بقدر ما يفرض النظر إلى المستقبل وإعادة الاعتبار إلى الحلم المغاربي المغتال من قبل الجزائر مع سبق الإصرار، بقدر ما يفرض استحضار كل شهداء الوطن، ممن ضحّوا بالغالي والنفيس، في معركة التحرير من أجل الحرية والاستقلال واستكمال الوحدة الترابية للمملكة، وفي طليعتهم بطل التحرير الملك محمد الخامس رحمه الله، ومبدع المسيرة الخضراء الملك الحسن الثاني طيّب الله ثراه.. فتح مبين يرتقي إلى مستوى العيد الوطني، الذي يحمل بصمة ملك بعمق استراتيجي، جمع بين ثالوث الصمت والحكمة والتبصّر، نجح في إيصال سفينة الصحراء إلى بر الأمان، مدعوماً بزخم دولي حول مغربية الصحراء، ووضع المغرب على سكة البلدان الصاعدة، بجعل التنمية الشاملة موضوعاً لمشروعه المجتمعي الحداثي، وبصمة المغاربة قاطبة الذين حملوا الصحراء وقضيتها، في القلب والوجدان منذ المسيرة الخضراء المظفرة، وتحملوا أعباءها بصبر وتحمّل، وبصمة عيون مغربية لا تنام، ليبقى الوطن آمناً ومستقراً ومطمئناً، وبصمة رجالات دولة ومسؤولين، نزهاء وشرفاء، يخدمون الوطن آناء الليل وأطراف النهار….

فتح مبين، يفصل بين زمنين، زمن المؤامرات والدسائس والاستفزازات والابتزازات ونعرات الانفصال والأطروحات البالية، من جانب خصوم وأعداء الوحدة الترابية، وزمن تتلاقى فيه الشرعية الدولية بعدالة القضية المغربية الأولى، وحقوق المغرب المشروعة على كافة ترابه، وبين الزمنين، تحوّل تاريخ 31 أكتوبر 2025، إلى يوم مشهود بالنسبة للمغرب والمغاربة، سقط فيه جدار الوهم والانفصال، على صخرة قرار أممي مدوّ، يضع الجزائر أو نظام الجزائر على الأصح، أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، إما القبول بالأمر الواقع، والاستجابة الفورية لليد المبسوطة بحسن نية، والانخراط مع المغرب بدون قيد أو شرط، في صناعة الأمل وبناء المستقبل، أو الاستمرار وحيداً، في قيادة سيارة الوهم، بسرعة جنونية، بدون مرآة خلفية ولا فرامل…

على أمل أن يدرك هذا النظام العصي على الفهم والإدراك، أنّه خسر الرهان، كل الرهان، وأنّ له اليوم قبل الغد، أن يتفقّد كم كلّفه “العداء للمغرب” من خسائر مادية جسيمة، تعدّ بالمليارات من الدولارات، كان بالإمكان استثمارها في تنمية البلاد والعباد، بدل استثمارها في معارك خاسرة، دفاعاً عن أوهام وأكاذيب باطلة… وفي المجمل فالمغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، والخطاب الملكي التاريخي ليوم 31 أكتوبر 2025، والمغاربة الذين خرجوا إلى الشوارع في ربوع المملكة، احتفاءً بالقرار الأممي غير المسبوق، هي رسالة عاكسة لحبّ عذري عفيف بين المغاربة وصحرائهم، وعلامة دالّة، على مغرب، قوّته في ذاك التلاحم الوثيق الذي يربط الشعب بالعرش والعرش بالشعب، وبهذه العلاقة المتفردة، تم إسقاط جدار الانفصال، وتذويب جليد جمهورية الوهم والسراب، ووضع المملكة على خط التنمية الشاملة وسكة البلدان الصاعدة… فرحم الله تعالى مبدع المسيرة الخضراء ومهندسها، وكل من نقلها من مستوى الحلم إلى مستوى الواقع، وأطال الله في عمر خلفه ووارث سره، الملك محمد السادس، الذي سجّل له التاريخ، كسب رهان “المسيرة البيضاء”، وهو ينتزع قراراً أممياً غير مسبوق، أسقط وهم الانفصال بشكل لا رجعة فيه، وكرّس سيادة المغرب على صحرائه… فعاش الوطن موحداً وحراً وآمناً ومطمئناً ومزدهراً، ولا عاش من خانه من الحاقدين والوصوليين والانتهازيين والأنانيين والعابثين والطامعين…


إرسال تعليق

أحدث أقدم