«الأوقاف» تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة

 




«الأوقاف» تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة


خطبة منبرية في موضوع: «ذكرى عيد الاستقلال المجيد» ليوم الجمعة: 12 جمادى الأولى 1446هـ، الموافق لـ: 15 نونبر 2024م


الخطبة الأولى


الحمد لله ربِّ العالمين، الملك الحقِّ المبين، نحمده سبحانه وتعالى حمد الشَّاكرين لنعمائه، المقرِّين بفضله وآلائه، ونشهد أنَّه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدِّين كله ولو كره المشركون، صلَّى الله وسلَّم عليه، وعلى آله الطَّيبين الأطهار، وصحابته الغرِّ الميامين الأخيار، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.


أمَّا بعد، أيُّها الإخوة والأخوات في الإيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ»[1].


عباد الله؛ في هذا الحديث الشَّريف يبيِّن الرَّسول ﷺ، أنَّ شكر الله تعالى المنعِم على عباده بالنِّعم الجليلة المختلفة، مقرون بشكر مَنْ أجرى الله تعالى تلك النِّعمَ على يديه، وفي ذلك من الأدب المطلوب، والخُلق المحمود الاعتراف بالجميل لمن أسدى إليكم معروفاً، والمؤمن لا يكون بخيلاً بالكلمة الطَّيبة، والفعل الحسن، والذِّكر الجميل لمن أحسن إليه، والإقرار بالفضل لأهله؛ إذ لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلاَّ ذوو الفضل، كما قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما[2].


وانطلاقاً من هذا الخُلُق السَّنِيِّ، والأدب الرَّفيع السَّوِيِّ، الوارد في حديث الرَّسول ﷺ، يأتي الحديث عن “ذكرى عيد الاستقلال المجيد”، التي يخلِّدها الشَّعب المغربي قاطبةً يوم الثَّامن عشر من شهر نونبر (18 نونبر)، احتفاءً بنعمة الاستقلال، واعترافاً بالجميل لما قدَّمه أبو المقاومة المغربية جلالة المغفور له مولانا محمد الخامس، طيَّب الله ثراه، وإلى جانبه آنئذ ولي عهده ورفيقه في الكفاح، مولانا الحسن الثَّاني أكرم الله مثواه؛ من تضحيات جسام، وحولهما الشَّعب المغربي كافةً، حيث خاضوا جنباً إلى جنبٍ معركة النِّضال في كلِّ المستويات، وتحملوا في ذلك كلَّ المصاعب والمحن، من التَّضييق، والإبعاد، والنَّفي عن الوطن والأهل، وما زادهم ذلك إلاَّ إصراراً على المطالبة بحقِّهم في تحرير بلدهم، واستعادة سيادة الوطن، وكرامة المواطن، وسلكوا في ذلك كلَّ السُّبل، ممَّا أذاق المستعمر الأمَرَّين، ولم يجد بُداً من الإقرار بالحقِّ لأهله، وعاد السُّلطان الشَّرعي إلى عرشه حاملاً راية الحرية والاستقلال، تالياً قوله تعالى: ﴿ وَقَالُواْ اُ۬لْحَمْدُ لِلهِ اِ۬لذِےٓ أَذْهَبَ عَنَّا اَ۬لْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌۖ ﴾[3]


مبشراً ببزوغ فجر الاستقلال، وداعياً إلى الجهاد الأكبر الذي هو بناء المغرب الحديث، مغرب المؤسَّسات العملاقة الرَّابطة بين مجدٍ تليدٍ ضاربٍ بجذوره في أعماق التَّاريخ، ومجدٍ منفتحٍ مُجِدٍّ في معانقة كلِّ ما هو مفيد.


وعلى هذا الأساس بنى جلالة المغفور له مولانا الحسنُ الثَّاني، أكرم الله مثواه، كفاحه العظيم، وتفانيه في خدمة وطنه، وذلك بالمحافظة على الموروث، واستكمال الوحدة التُّرابية، وترسيخ المؤسَّسات الوطنية.


وها هو وارث سرهما، الموفي بعهدهما، والمحقق لرغبتهما، مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملكُ محمدٌ السَّادس، حفظه الله، يتابع الخطى في تحقيق آمال كبيرة، على جميع الأصعدة، وفي جميع المستويات، محقِّقاً إنجازاتٍ عظيمةً، يراها كلُّ ذي عينين، ولسان الحال يقول: نبني كما كانت أوائلنا  ۞۞ تبني ونفعلُ مثلَ ما فعلوا.


حفظ الله مولانا الإمام، أمير المؤمنين جلالة الملك محمداً السَّادس بالسَّبع المثاني والقرآنِ العظيم، وحقَّق له كلَّ ما يصبو إليه من خير لهذا البلد خاصة، ولسائر بلاد المسلمين عامَّة، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.


الخطبة الثانية


الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.


عباد الله؛ إنَّ ممَّا ينبغي التَّنبيه عليه في إطار “تسديد التَّبليغ” الذي انشغل به العلماء قياماً بالواجب، ونصحاً لولي الأمر والأمَّة، من أجل تحقيق الحياة الطَّيبة المنشودة، والموعودة في القرآن الكريم، هو التَّوصيةَ بحقوق الوطن والمصالح العليا للأمَّة، والتَّعريف بالنِّعمة والحرص على شكرها من أجل استدامتها، فالحياة التي نعيشها اليوم ليست وليدةَ الصُّدفة، وإنَّما وراءها أعمال جبَّارة، وجهود كبيرة، سمَّاها جلالة المغفور له مولانا محمد الخامس: “الجهاد الأكبر”.


فنعمة الاستقلال والمحافظة على نتائجها الطَّيبة على الوطن والمواطنين، تستوجب منَّا أموراً منها:


أولا: أن نشكر الله تعالى على هذه النِّعمة وغيرها من نعمه الكثيرة، استزادةً من فضله الذي لا غنى لأحد عنه.ثانيا: أن نشكر من أجرى الله تعالى تلك النِّعم على يديه، مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني وشهداءنا الأبرار الذين قدَّموا الغالي والنَّفيس دفاعاً عن بلدهم، وأبنائهم، والأجيال التي تليهم، وذلك بذكرهم الجميل، وتثمين تضحياتهم العظيمة من أجلنا نحن، فما نعيشه اليوم من الأمن والاستقرار، أثرٌ من آثار تلك البطولات الجسيمة.ثالثا: الدُّعاء لهم، والتَّرحم عليهم، لقول النَّبي ﷺ: «ومن صنع إليكم معروفاً فكافِئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونَه فادْعُوا له، حتى تَروا أنَّكم قد كافأتُموه»[4].رابعا: المحافظة على المكتسبات، فإنَّ من شكر النِّعمة المحافظةَ عليها، والذبَّ عن حياضها، وذلك بالسَّير في ركاب مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السَّادس، حفظه الله، والإسهامِ في جهوده الكبرى التي يبذلها بلا كللٍ ولا مللٍ، كلٌّ من موقعه ومسؤوليته، وحسب استطاعته وخبرته، فلا يبخل أحدٌ عن إسداء النَّفع لأمَّته، تعبيراً منه عن شكره لله تعالى، ولمن أجرى سبحانه النِّعمة على أيديهم.


وبذلك نكون عباد الله، قد حققنا العبودية لله تعالى بالشكر والصبر، وأدينا بعض الواجب علينا تجاه الوطن الذي يحضننا، وتجاه من سهروا حراساً للثغور، حماة للحمى، وكلُّ من ساهم في تحقيق الرَّخاء والرُّقي للوطن، فجزاهم الله عنَّا أحسن الجزاء، وأجزل لهم المثوبة وحسن العطاء.


هذا؛ وصلوا وسلموا على من صلَّى اللهُ عليه وملائكتُه ثم أمر عباده بذلك فقال: ﴿اِنَّ اَ۬للَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَي اَ۬لنَّبِےٓءِۖ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماًۖ  ﴾.[5]


اللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد، وعلى آل سيِّدنا محمد، كما صلَّيت وسلَّمت على سيِّدنا إبراهيم، وعلى آل سيِّدنا إبراهيم، وبارك على سيِّدنا محمد، وعلى آل سيِّدنا محمد، كما باركت على سيِّدنا إبراهيم، وعلى آل سيِّدنا إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد.


وارض اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن باقي الصَّحابة أجمعين، خصوصاً الأنصار منهم والمهاجرين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.


وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمداً السَّادس، نصراً عزيزاً تعزُّ به الدِّين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم بما حفظت به الذِّكر الحكيم، في صحته وعافيته، وحلِّه وترحاله، وفي جميع أحواله، وأقرَّ اللهم عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، وشدَّ أزر جلالته بشقيقه السَّعيد، صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة، إنَّك سميعٌ مجيب.


وارحم اللهم الملكين المجاهدين، مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، وأصبغ عليهما شآبيب الرَّحمة والمغفرة والرِّضوان، واجزهما على ما قدما لوطنهما، وشعبهما، وأمتهما خير ما جزيت محسناً عن إحسانه، واجعلهما في مقعد صدقٍ عندك، مع المنعم عليهم من النَّبيئين والصِّديقين، والشُّهداء، والصَّالحين.


اللهم أدم علينا نعمتك، وأزل عنَّا نقمتك، واحفظ اللهم بلادنا وبلاد المسلمين، واجعلها محفوظة بكتابك، مكلوءة بعنايتك، مرفوعةَ الرَّاية في نصرة الحقِّ وأهله، ودَحر الباطل وذويه، وارحم اللهم آباءنا وأجدادنا الذين بذلوا الغالي والنَّفيس، نصرةً لدينك، وحمايةً للوطن وأهله.


اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربَّنا إنَّك رءوفٌ رحيم.


سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.


[1] – رواه البخاري في الأدب المفرد. برقم: 218.


[2] – تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، (14/156).


[3] – سورة فاطر، الآية: 34.


[4] – سنن أبي داود كتاب الزكاة باب عطية من سأل بالله، برقم: 5109


[5] – سورة الأحزاب، الآية: 56


إرسال تعليق

أحدث أقدم