عندما غَضِب الملك على مسؤولي البيضاء وأُعلنت حالة الاستنفار!


عندما غَضِب الملك على مسؤولي البيضاء وأُعلنت حالة الاستنفار!

لم يكن للدارالبيضاء ما يؤهلها لتصبح أكبر مدينة في المغرب، إبّان القرن العشرين، فمنذ نهاية القرن الثامن عشر إلى الحماية الفرنسية في عام 1912. كان العديد من التجار الأوروبيين ورجال الدين والقناصل يترددون أو يقطنون بها، وقد جذبتهم إليها فرص التجارة مع أغنى مناطق المغرب، كان عدد سكانها لا يتجاوز 20 ألف نسمة، بداية فترة الحماية بعيدا عن حجم سكان مدينة فاس البالغ وقتها 100 ألف نسمة قبل أن يصل سكانها 3 ملايين بحلول سنة 2000 ليبلغ اليوم حوالي 4.5 مليون نسمة.


المدينة التي هجرها أهلها وأعاد بناءها السلطان محمد بن عبدالله في نهاية القرن 18، أخذت أنفا “معناها التل باللغة الأمازيغية” اسم الدارالبيضاء، وهي ترجمة الإسم الإسباني لكلمة CASABLANCA. مرت السنوات الطوال وباتت المدينة تعيش تحت وقع رجت غير مسبوقة على مستوى تحديث بنياتها التحتية من شبكة طرق ومواصلات وملاعب وفنادق، استعدادا لكأس العالم 2030، وترشيح المدينة عبر ملعب الحسن الثاني أحد أكبر الملاعب في العالم، أن يكون مسرحا لاحتضان نهائي المونديال، ما سيُحوّل أنظار العالم إلى هذه الرقعة الجغرافية التي تجر وراءها لعنة التناقضات بين أحيائها. فأغلب رجال الأعمال اتخذوا منها مقرا لسكناهم وتركيز لأموالهم، دون أن ينعكس على المدينة في جودة عيش أهلها.


تناقضات انتقدتها أعلى سلطة في البلاد، ففي خطاب للملك محمد السادس في افتتاح البرلمان عام 2013، أفرد لها مساحة مهمة لانتقاد تدبير الشأن العام المحلي بها.

إنها المدينة التي قال عنها الملك “أعرفها جيدا، وتربطني بأهلها مشاعر عاطفية من المحبة والوفاء، التي أكنها لجميع المغاربة.. اعتبارا لمكانة الدار البيضاء كقاطرة للتنمية الاقتصادية، فإن هناك إرادة قوية لجعلها قطبا ماليا دوليا. إلا أن تحقيق هذا المشروع الكبير لا يتم بمجرد اتخاذ قرار، أو بإنشاء بنايات ضخمة وفق أرقى التصاميم المعمارية”.


“تحويل الدار البيضاء إلى قطب مالي دولي يتطلب توفير البنيات التحتية والخدماتية بمواصفات عالمية، وترسيخ قواعد الحكامة الجيدة ، وإيجاد إطار قانوني ملائم وتكوين موارد بشرية ذات مؤهلات عالية واعتماد التقنيات وطرق التدبير الحديثة.. غير أن الدار البيضاء لا تجتمع فيها مع الأسف كل هذه المؤهلات رغم المجهودات الكبيرة على مستوى التجهيز والاستثمار، وخاصة ما يتعلق منها بالتأهيل الحضري.. لكن لماذا لا تعرف هذه المدينة ،التي هي من أغنى مدن المغرب ، التقدم الملموس الذي يتطلع إليه البيضاويون والبيضاويات على غرار العديد من المدن الأخرى؟ وهل يعقل أن تظل فضاء للتناقضات الكبرى إلى الحد الذي قد يجعلها من أضعف النماذج في مجال التدبير الترابي؟” يقول الملك.


وردّ العاهل المغربي اختلالات العاصمة الاقتصادية إلى “ضعف نجاعة تدخلات بعض المصالح الإقليمية والجهوية لمختلف القطاعات الوزارية، وأسلوب التدبير المعتمد من قبل المجالس المنتخبة التي تعاقبت على تسييرها، والصراعات العقيمة بين مكوناتها، وكثرة مهام أعضائها وازدواج المسؤوليات رغم وجود بعض المنتخبين الذين يتمتعون بالكفاءة والإرادة الحسنة والغيرة على مدينتهم”، واسترسل: “المشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يتعلق بالأساس بضعف الحكامة.. رغم أن ميزانية المجلس الجماعي للدار البيضاء تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك التي تتوفر عليها فاس أو مراكش، مثلا، فإن المنجزات المحققة بهاتين المدينتين في مجال توفير وجودة الخدمات الأساسية تتجاوز بكثير ما تم إنجازه بالدار البيضاء”، داعيا إلى “تشخيص عاجل يحدد أسباب الداء، وسبل الدواء”.


وأكد الملك أنّ “الوزير ليس مسؤولا عن توفير الماء والكهرباء والنقل العمومي، أو عن نظافة الجماعة أو الحي أو المدينة وجودة الطرق بها”، وقال: “المنتخبون الجماعيون هم المسؤولون عن هذه الخدمات العمومية، في نطاق دوائرهم الانتخابية أمام السكان الذين صوتوا عليهم، كما أنهم مكلفون بإطلاق وتنفيذ أوراش ومشاريع التنمية بمناطق نفوذهم لخلق فرص الشغل، وتوفير سبل الدخل القار للمواطنين”.


إرسال تعليق

أحدث أقدم